منشوراتي

نظرية الاولويات




نظرية الاولويات 








البحث مقدم: للدكتورة/ عزيزة
المساق: نظريات الاتصال
إعداد: إيمــان سليمــان السعيدي
الرقم الجامعي:201211879



المقدمة:

يعتبر الاتصال أحد أهم الأنشطة الإنسانية التي أصبح  لها دور كبير في  حياة الأفراد والمجتمعات، وقد ازدادت أهميته بعد التطورات التي تلاحقت خلال التاريخ الإنساني على وسائل الإعلام، مما جعل من الاتصال موضوع اهتمام الباحثين والمفكرين في شتى التخصصات منذ القرن الماضي من خلال إجراء الدراسات والأبحاث التي تناولت الرسائل التي تبثها وسائل الإعلام، ومدى تأثيرها على الجماهير لأهمية  الكلمة وتأثيرها على الجماهير.
ونظراً لأن وسائل الاتصال الجماهيرية أصبحت جزءاً أساسياً من حياة الناس، ومصدراً مهماً من مصادر المعلومات، وموجه قوي لسلوك واتجاهات الكثير من أفراد المجتمعات خاصة بعد التطورات التي أٌلحقت بهذه الوسائل على مدار القرن الماضي، فقد ازداد اهتمام باحثي علم النفس وعلم الاجتماع، لمعرفة مدى تأثير هذه الوسائل على الجمهور خاصة في الدول الغربية، نظراً لظهور المجتمع الجماهيري الذي ازدادت به درجة اعتماد أفراده على وسائل الاتصال الجماهيرية، بعد أن تحول من النمط التقليدي المسيطر المعتمد عليه الروابط الاجتماعية، وبالتالي بدأت تتطور الدراسات والأبحاث المتعلقة بالعملية الاتصالية وتأثيراتها من مختلف التخصصات النفسية والاجتماعية والإعلامية للوصول إلى نتائج وتفسيرات، حيث أتاح تطور الاتصال للعلماء والمفكرين القيام بدراسة دور ووظائف هذه الوسائل على الأفراد والمجتمعات، ومن ثم دراسة آثارها على مستخدميها من قراء ومستمعين ومشاهدين للوصول إلى نتائج تساعد على فهم هذه الظاهرة، التي أدت بالتالي إلى ظهور النماذج والنظريات التي تعتبر خلاصة نتائج دراسات وأبحاث هؤلاء المفكرين حول الاتصال الإنساني، محاولة لفهم وتفسير هذه الظاهرة والتحكم فيها والتنبؤ بتطبيقاتها، وأثرها على المجتمع سواء بشكل ايجابي أو سلبي.
وقد تعددت النماذج والنظريات التي تقدم تصورات عن كيفية عمل وسائل الاتصال وتأثيرها على الجماهير، ومن هنا سننطلق إلى احد أهم النظريات فالاتصال وهي نظرية ترتيب الأولويات. تفترض نظرية ترتيب الأولويات وجود علاقة بين القضايا التي توليها وسائل الإعلام مزيدا من الاهتمام وبين تزايد اهتمام الجماهير بتلك القضايا. فترتيب الأولويات يعني بنقل البروز والاهتمام وتحريك القضايا من أجندة وسائل الإعلام إلي أجندة الجمهور.
ذكر نورتن لأنج أن الصحف تعتبر المحرك الأول في وضع الأولويات المحلية وإنها تلعب دورا كبيرا في تحديد ما يتحدث عنه الأفراد وما يفكرون فيه.

والبحث في تصور منهجي كلي يفحص التفاعل والديناميكية والتأثير المتبادل بين الإعلام والرأي العام والسياسة في إطار ما يسمى بمنهج تحليل النظم من خلال الجمع بين الاتجاهات البحثية الثلاثة في نفس الدراسة على النحو الآتي:
- المطلب الأول: الاتجاه الأول (وضع أجندة الجمهور Public Agenda-Setting).
- المطلب الثاني: الاتجاه الثاني (وضع أجندة وسائل الإعلام Media Agenda-Setting).
- المطلب الثالث: التطورات الحديثة في دراسات وضع أجندة الجمهور.
* تقسيم أبحاث وضع الأجندة إلى مقترب تقليدي وآخر حديث هو في الواقع تقسيم لمستويين من الاهتمام:
المستوى الأول الذي تم استعراضه ويتعلق الأمر بالفرضية الأساسية للنظرية التي وضعها الباحثان MC Combs and Show وكان يهتم بالإجابة عن الأسئلة التقليدية الخمسة من؟ وماذا؟ وبأية وسيلة؟ ولمن؟ وبأي تأثير؟ والإجابة على هذه الأسئلة وحسب أظهرت محدودية فرضية وضع الأجندة بالرغم من التبصيرات التي ساهمت بها في فهم عملية التأثير التي تقوم بها وسائل الإعلام على الرأي العام.
ففي عصر ما بعد الاتصال الجماهيري تساءل علماء الاتصال الجماهيري عن موقع نظرية وضع الأجندة في بحوث الاتصال السياسي والرأي العام في عصر المعلومات هل تخضع لنفس الظروف والمتغيرات التي خضعت لها منذ سنوات قليلة؟ فالنظرية العلمية هي في المقام الأول نتاج بيئة متكاملة تحكمها أبعاد الزمان وشروط المكان، وقد أدت تكنولوجيا الاتصال إلى تجزئة الجمهور إلى قطاعات عديدة ومتباينة، ولم يعد بإمكان وسيلة إعلامية واحدة أن تسيطر على سوق المعلومات، فالمتلقي أصبح بإمكانه أن يتعرض لمئات المصادر التي يختارها ويتفاعل معها لحظة بلحظة.
فيرى حمادة بسيوني: "رغم هذا التغيير الكبير إلا أن وسائل الإعلام لم تفقد دورها في هذا العصر الذي تكاثرت فيه وسائل الاتصال وانشطرت فيه قطاعات الجماهير إلى أجزاء صغيرة، فلازلنا نذكر نجاحها في وضع أجندة الرأي العام العالمي بشأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر الأمر الذي يؤكد بقاء الدور والتأثير القديم.
المطلب الأول: الاتجاه الأول (وضع أجندة الجمهور Public Agenda-Setting).
بدأ هذا الاتجاه البحثي على يد MC Combs and Shaw ويتخذ من أولويات اهتمامات الجمهور متغيرا تابعا لها وتندرج الدراسات في هذا المجال البحثي من الناحية المنهجية إلى أربع فئات:
- اعتماد الباحث على معلومات تجميعية من الجمهور Grouped.
- اعتماد الباحث على معلومات فردية على مستوى كل فرد على حدة Ungrouped.
- دراسة قضية واحدة One Issue.
- دراسة مجموعة من القضايا Set of Issues.
1- الفئة الأولى: يسأل الباحث الأفراد الخاضعين للبحث عن القضايا التي يهتمون بها في فترة زمنية معينة، وقد يجب كل فرد بقضية أو اثنين أو أكثر، ويتم تجميع هذه القضايا مجتمعة في ترتيب حسب تكرار كل منها، أي أن الأجندة التي تصل إليها الدراسة تعبر عن وجهة نظر الجمهور ككتلة واحدة لكنها لا تعكس بالضرورة الاهتمامات الخاصة بكل فرد، وبمقارنة أولويات الجماهير بتلك السائدة لدى وسائل الإعلام تؤثر في توزيع أهم القضايا بين الجمهور وتضع أجندة الجمهور، وتشير نتائج الدراسات في هذه الفئة إلى أن هناك "علاقة ارتباط قوية بين أولويات اهتمامات وسائل الإعلام والجماهير ويزداد هذا الارتباط قوة مع القضايا التي تمثل وسائل الإعلام المصدر الوحيد للمعلومات بشأنها فيما عرف باسم القضايا غير التطفلية Unobtrusive Issues، كما انتهت هذه الدراسات إلى أن التأثير يقع من وسائل الإعلام على الجمهور ولا يحدث في الاتجاه المعاكس"
2-الفئة الثانية: تعتبر أجندة وسائل الإعلام مجموعة من القضايا يصل إليها الباحث من تحليل مضمون وسيلة أو سائل الإعلام الخاضعة للبحث، فيما يتم قياس أولويات اهتمامات كل فرد من أفراد الجمهور منفردا، فالباحث وفقا لهذا المدخل يفترض أن تركيز وسائل الإعلام على قضايا معينة يحقق نفس الترتيب لذات القضايا على كل الأفراد، لكن هذه الفرضية لم تراع الاختلافات الفردية التي تدفع كل متلقي على حده إلى أن يكون له رؤيته الخاصة في التعامل مع وسائل الإعلام التي تنعكس على مدى تأثره بما تراه مهما من أولويات وهذه الفرضية غير قائمة على دراسة متأنية لواقع العلاقة بين الإعلام والجمهور.
3-الفئة الثالثة: يقوم الباحث بدراسة قضية واحدة في كل وسائل الإعلام والجمهور، ويتم قياس أجندة الجمهور بأسلوب تجميعي، وتسير بحوث هذه الفئة إلى درجة عالية من الاتساق بين قضايا الطرفين: الجمهور والإعلام.
4-الفئة الرابعة: يتخذ الباحث من المعلومات الفردية لا التجميعية أداة لقياس أجندة الجمهور فضلا على التركيز على قضية واحدة.
لكن هذا التصنيف رغم أنه يأخذ من التصميم المنهجي معيارا يحتكم إليه، إلا أنه يتجاهل طبيعة المتغيرات الوسيطة فهناك مداخل بحثية أخرى تمثل إضافة قيمة تثري البحث الإعلامي ووضع الأجندة:
1- المدخل الأول: اختيار الفرضية الرئيسية لنظرية وضع الأجندة بأن هناك: "ارتباط بين أولويات وسائل الإعلام وأولويات الجماهير والكشف عن العوامل الوسيطة التي يمكن أن تقوي أو تضعف العلاقة بين المتغيرات مثل نوع وسائل الإعلام والخصائص الديمغرافية لجمهور وسائل الإعلام والاستعداد الشخصي للفرد لتقبل الموضوعات التي تثيرها وسائل الإعلام باعتبارها قضايا مهمة، وطبيعة القضايا التي تحظى باهتمام وسائل الإعلام، وأثر تفضيل المرء لوسيلة إعلامية معينة على وضع هذه الوسيلة لاهتماماته.
2-المدخل الثاني: يهتم هذا المدخل باختيار مفهوم الحاجة إلى التكيف والتوجه السياسي، ويفترض المفهوم أن تأثير وضع الأجندة لا يتحقق بنفس الدرجة بالنسبة لكل الأفراد، ولكنه مرتبط بما إذا كان الفرد قد اتخذ قرارا بشأن التصويت الانتخابي أم لا يزال في المراحل الأولى لصنع القرار، حيث توصلت الدراسات في هذا المدخل إلى أن الأفراد الذين لم يقرروا بعد سلوكهم الانتخابي يخضعون بدرجة أعلى من غيرهم لتأثير وضع الأجندة لأنهم أكثر احتياجا للتعرض لأجندة وسائل الإعلام لمساعدتهم لتحقيق هذا التكيف والتوجه السياسي، وترجع الأصول الأولى لهذا المفهوم إلى نظرية Tolman عن الخريطة المعرفية Cognitive Mapping: "فالحاجة إلى التكيف وفق هذه النظرية تمثل دافعا معرفيا يحفز المرء إلى أن يألف ما يحيط به وأن يتعرف عليه بهدف رسم صورة متكاملة ومفهومة للعالم الذي يحيط به، تسمح له باتخاذ القرارات وإدارة نفسه بما يحقق مصالحه".
فقد أكد ماكسويل ماكومبس وويفر MC Combs and Weaver "أن الحاجة إلى التكيف تدفع المرء إلى المزيد من استخدام وسائل الإعلام بما يؤدي إلى تقوية دورها في وضع الأجندة، فكلما زادت الحاجة إلى التعرض للمضمون التوجيهي لوسائل الإعلام زاد تأثر المرء بمضمونها، وتتحدد قوة الحاجة للتكيف اعتمادا على عاملين:
أ‌- مدى صلة الفرد بالقضية التي تعرضها وسائل الإعلام بالفرد وارتباطها بمصلحته.
ب- درجة القلق وعدم يقين الفرد بشأن القضية.
ويؤدي التفاعل بين هذين العاملين إلى ثلاثة مستويات لقوة الحاجة إلى التكيف؛ وهي الحاجة العالية والمعتدلة والمنخفضة إلى التكيف.
3-المدخل الثالث: توصل لينجر Lyengar سنة 1982 إلى أن: "جمهور وسائل الإعلام الأكثر ثقافة ووعيا بالقضايا المطروحة للنقاش في وسائل الإعلام والأكثر مشاركة في الشؤون السياسية وكذا أصحاب الأيديولوجيات والحجج المناوئة لما تطرحه وسائل الإعلام هم أقل الفئات تأثيرا بأجندة وسائل الإعلام فهذا المدخل يحلل الاستجابات النفسية والمعرفية للفرد أثناء التعرض للرسائل الإعلامية وأهمها ما إذا كان يثير حججا معارضة لما تقوم به وسائل الإعلام أم لا.
المطلب الثاني: الاتجاه الثاني (وضع أجندة وسائل الإعلام Media Agenda-Setting)
وضع أجندة وسائل الإعلام آخر مرحلة من تطور بحوث وضع الأجندة، فقد بدأت بحوث وضع الأجندة بالسؤال من يضع أجندة الجماهير لتصل إلى سؤال من يضع أجندة وسائل الإعلام ويعد لازر سفيلد ومرتون Lazarsfeld and Merton أول من طرحا هذا التساؤل الأخير سنة 1984 وكان وجهة نظرهما أن وسائل الإعلام ليست إلا نتيجة للقوى الاجتماعية السائدة بما في ذلك المؤسسات الصناعية والتجارية وغيرها من المتغيرات المؤهلة لممارسة الضبط الاجتماعي، فطبيعة البحث في أجندة وسائل الإعلام تستوجب مجموعة من المداخل:
1- مدخل السلطة.
2- مدخل الاعتماد المتبادل بين وسائل الإعلام.
3- مدخل بناء الأجندة.
1- مدخل السلطة: أجندة وسائل الإعلام تعكس قيم الممارسة المهنية والأصول والقواعد الاجتماعية للعاملين في الصحافة؛ بمعنى أن وسائل الإعلام أكثر من مجرد قناة للتعبير عن قوة المصادر الأخرى ولكنها تمثل قوة ذاتية مستقلة، وسوف يزداد حجم هذه القوة في المجتمعات الديمقراطية والتي تسود فيها حرية الإعلام والملكية الخاصة، "حيث تمارس الصحافة السلطة السياسية وتكاد تنعدم فيها الرقابة الحكومية وغير الحكومية
فمدخل السلطة يفسر أجندة وسائل الإعلام على أنها تعبر على اهتمامات مراكز القوة في المجتمع وتعكس الوزن النسبي لهذه القوة ويذهب بعض الباحثين إلى أن "وسائل الإعلام تمثل أيضا مركز قوة في ذاتها.
السلطة في ظل هذا المدخل مرتبطة بالسياسات الإدارية للمؤسسات الإعلامية، فأهداف المؤسسة الصحفية وأسلوب ممارستها للعمل هو المحدد النهائي لأولويات اهتماماتها ومصدر القوة هو الصحفي في ذاته، ويعتبر حارس البوابة صاحب القرار الذي يحدد مضمون وشكل وتوقيت ما ينشر، ويشارك في صنع القرار.
2- مدخل الاعتماد المتبادل بين وسائل الإعلام: يقترح هذا المدخل البحث في تأثير وضع الأجندة بين وسائل الإعلام بعضها البعض، وكذلك العوامل المرتبطة باتجاه التأثير وقوته، وقد يمتد ليشمل تأثير الصحف الدولية والأجنبية ذات المكانة على الصحف الوطنية المحلية والجهوية وأثر الصحف الوطنية على الصحف الحزبية، خاصة في الدول النامية إعلاميا. تمارس وسائل الإعلام الغربية الدور الأكبر في وضع أولويات اهتمامات وسائل الإعلام في هذه الدول، ومن ثم وضع أجندة الرأي العام وهذه الدول، ويتطلب التحقق من هذه الفرضية إجراء دراسات تحليل المضمون لعدد من وسائل الإعلام لتتبع مصادر المعلومات التي تشكل القضايا التي تحظى باهتماماتها. رغم أن الاعتماد المتبادل بين وسائل الإعلام يبقى قائم للدرجة التي تتحقق فيها المصلحة المشتركة، مع مراعاة درجة الاعتماد، "فالوسيلة الأقوى تؤثر في اهتمامات الوسيلة الأضعف والوسيلة التي تقع في المركز تؤثر في الوسيلة التي تقع في الهامش.
3- مدخل بناء الأجندة: يستعمل بعض الباحثين مفهوم بناء الأجندة بدل مفهوم وضع الأجندة، وهو يعبر عن نفس المضمون، ويشير إلى كل المعلومات المؤثرة في تحديد أولويات وسائل الإعلام، وتتخذ دراسات بناء الأجندة اتجاهان:
أ- الاتجاه الأول: يتعامل مع نتيجة العملية ككل؟ أي تشخيص أجندة الوسيلة الإعلامية الخاضعة للبحث وتتبع تأثير المصادر الإخبارية في بنائها؛
ب- الاتجاه الثاني: يدرس مدخلات وسائل الإعلام أو المادة الخام التي يتم من خلالها بناء أجندة الوسائل، إذ يتم تحليل البيانات الصحفية والمؤتمرات والمقابلات، وقد عرف هذه الاتجاه باسم "دعم المعلومات.
لكن يبقى الإجماع على تسمية هذه العملية بوضع أجندة وسائل الإعلام بدلا من بناء الأجندة لتوحيد المفهوم بين المجالات البحثية الثلاث وهي وضع أجندة الجماهير ووضع أجندة وسائل الإعلام ووضع أجندة النظام السياسي.
المطلب الثالث: التطورات الحديثة في دراسات وضع أجندة الجمهور
تتسم نظرية وضع الأجندة بالمرونة والقابلية للاتساع والتنوع والشمول بعيدا عن النظرة الأصلية التي قامت عليها والتي تقارن بين ترتيب القضايا في أجندة وسائل الإعلام وأجندة الجماهير، لتظهر اتجاهات حديثة على المستوى النظري والمنهجي:
1- القياس المشروط لتأثير وضع الأجندة:
اقتنع الباحثون J. Blumer and Gurevitch, 1992, J. Mcleod Schoenbach 1991 "بأهمية البحث في المتغيرات المؤثرة في وضع الأجندة مثل الانتماء الحزبي والاهتمام السياسي والمشاركة السياسية وملكية وسائل الإعلام وخصائص النظام السياسي وغيرها من المتغيرات ذات الصلة بوضع الأجندة، فالعلاقة ليست ميكانيكية ومباشرة وفورية كما أن أجندة وسائل الإعلام ليست إلا متغيرا بين سلسلة من المتغيرات التي تمارس أدوارا مختلفة في عملية التأثير.
وتمثل طبيعة القضية وإدراك الجمهور لها أهم المتغيرات الوسيطة فكلما زادت درجة معايشة الجمهور للقضية قل تأثير وسائل الإعلام بشأنها، وذلك لأن الخبرة المباشرة تعمل كبديل لوسائل الإعلام وقد ثبت من دراسة (ياجادYagad ) صحة الفرضية بعدم قدرة وسائل الإعلام في وضع أجندة القضايا التطفلية.
2- المقاييس الاتجاهية والمقاييس السلوكية:
جاءت نظرية وضع الأجندة في البداية لترفض النماذج الإقناعية من خلال التركيز على التأثيرات المعرفية لوسائل الإعلام، إلا أن الدراسات الحديثة أثارت قضية العلاقة بين وضع وسائل الإعلام لأجندة الجمهور والتأثير الاتجاهي لقضايا الأجندة ذاتها، فوسائل الإعلام على هذا النحو يمكن أن تحقق ما هو أكثر من مجرد ترتيب لأولويات الاهتمامات، حيث انتهى لينجر وكيندر Lyengar and Kinder Shanto إلى أن: "وسائل الإعلام لا تضح أولويات اهتمامات الجماهير فقط ولكنها تضع معايير الحكم على هذه الأولويات، وبطريقة غير مباشرة من خلال تأثير "دلالات الألفاظ Semantic Content "[51].
3- نتائج وضع أجندة الجمهور:
تعد الدراسات التي اهتمت بالنتائج المترتبة على وضع أجندة الجمهور الاتجاه البحثي الأكثر حداثة، ويطرح التساؤل الآتي:
ماذا يعنى أن قضايا معينة تحتل أهمية متقدمة لدى الجماهير؟ وإذا كانت وسائل الإعلام لديها القدرة على إبراز قضايا معينة لدى الرأي العام فما دلالة ذلك بالنسبة لسلوك الرأي العام في الانتخابات والحياة السياسية؟
توصلت بعض الدراسات إلى وجود علاقة ارتباط إيجابية بين اهتمام الجمهور بقضايا معينة واتجاهه الإيجابي نحو ذات القضايا، فيما خلصت دراسات أخرى إلى سلبية هذه العلاقة الإرتباطية، بينما انتهت دراسات أخرى إلى "أن وضع الأجندة يساهم في بناء المعايير التي يستخدمها الأفراد في الحكم على الأشخاص والأشياء والقضايا.
فالمسؤول عن إيجابية وسلبية الرأي العام ليس وضع الأجندة ولكن هو اتجاه مضمون القضايا التي تعرضها وسائل الإعلام، فلا يكفي حجم التغطية الإعلامية، فتخصصت بحوث في خصائص المضمون الإعلامي وفي أول دراسة عربية سنة 1986 توصل الدكتور حمادة بسيوني إلى: "المواد الصحفية لا تخاطب العقل فقط ولكنها دائما تخاطب النفس والعواطف البشرية".
فهناك نموذج من خطوتين لتأثير وضع الأجندة: "في الأولى يتحقق الوعي بالقضية وفي الثانية يتحقق السلوك المستهدف، وقد تأكد سنة 1990 " مرتون روبرت M. Roberts من صحة هذا النموذج عند دراسة السلوك السياسي بعد أن يتحقق وعي الناخبين بالمرشحين والقضايا الانتخابية يأتي السلوك الانتخابي لاحقا.
وقد طرح دونالد شو ومارتن شانون D. Show and Martin Shannon سنة 1992 فرضية "وسائل الإعلام من خلال قيامها بوظيفة وضع الأجندة تدمج قطاعات المجتمع المختلفة في حوار سياسي واجتماعي؛ إذ تربط بين المتعلمين وغير المتعلمين والأغنياء والفقراء والحكام والمحكومين...، وتخلق قاسما مشتركا في المجتمع ينجم عنه تفاعل بين الإعلام والرأي العام، حده الأدنى ترتيب أولويات الجمهور والحد الأقصى تحقيق الاندماج الاجتماعي، فدراسات وضع الأجندة تبدأ بالفرد وتنتهي بالنظام الاجتماعي.
4- وضع الأجندة وقادة الرأي:
الجمع بين وضع الأجندة وقادة الرأي من الاتجاهات الحديثة في دراسات وضع الأجندة لاختبار فرضية انتقال الأجندة على مرحلتين من وسائل الإعلام إلى قادة الرأي ومنهم إلى الجماهير، طور هذا المقياس كل من Weinsan and Neumann بالاعتماد على نموذجين:
- نموذج المنافسة Competition Model ؛
- نموذج الاختلافات الشخصية Personal Differences Model.
"فلنموذج المنافسة فكرته أن وسائل الإعلام وقادة الرأي يتنافسون معا في وضع اهتمامات الجماهير، أما نموذج الاختلافات الشخصية يفترض أن التباينات الفردية على المستويات السياسية والاجتماعية والديمغرافية هي الأساس في وضع الأجندة"[55]؛ أي أن وسائل الإعلام لا تحقق نفس التأثير لدى كل الأفراد وبنفس الدرجة من القوة.
في كل المجتمعات تقوم عملية صنع القرار السياسي وتخضع لعملية التوفيق بين الاتجاهات المعارضة للنخب السياسية، فدراسة وضع أجندة النظام السياسي -وضع أجندة السياسية Policy Agenda Setting - ساهمت في الإجابة على التساؤل الآتي:
- إلى أي مدى تعكس أولويات صانعي القرار أو تقود أولويات الجمهور؟
فأجندة النظام السياسي "هي قائمة القضايا التي قبلها صانعوا القرار على أنها أهم قضايا تستحق اتخاذ قرار أو وضع سياسة بشأنها بمعرفة كيفية دخول أو خروج القضايا من دائرة صنع القرار والكيفية التي تستجيب بها الحكومات لحدث معين وكيفية التعامل مع المداخلات الإعلامية لصنع القرار، ففي المجتمعات الديمقراطية ومن اختبار العلاقة بين أولويات اهتمامات الإعلام والجمهور والنظام السياسي اتضح أن الصحافة تضع أجندة صانع القرار السياسي والجمهور في نفس الوقت.
وقد توصل الدكتور حمادة بسيوني سنة 1991 في بحثه عن (الصحافة وصنع القرار السياسي) إلى أن: "الصحافة تمارس دورا لاحقا لعملية اتخاذ القرار السياسي سواء بتدعيم القرار وإضفاء الشرعية عليه من جانب الصحف الحكومية أو بمعارضته وإضعاف شرعية من جانب الصحف الحزبية والخاصة أي أنها بعيدة عن جوهر صنع القرار، فمخرجات العملية الإعلامية لم تتحول بعد إلى مدخلات لصنع القرار السياسي.
الخاتمة:
ويتلخص مفهوم هذه النظرية في النقاط التالية
أن هناك عوامل تصاحب مضمون الرسالة الإعلامية تتمثل في ترتيب رسالة معينة منبين رسائل ومضامين مختلفة, ومساحتها الزمنية أو المكانية في الوسيلة الإعلامية, والشكل الذي تقدم به وغيرها من عوامل الإبراز المختلفة التي تشير إلى اهتمام الوسيلة الإعلامية بقضايا معينة.
أن تركيز وسائل الإعلام على موضوع معين أو شخص معين وإعطائه حيزاً كبيراً يدل لدى الجمهور على أن الموضوع أو الشخص له من الأهمية ما يجعله حاضراً باستمرار أو بكثرة في وسائل الإعلام وأن الموضوعات الأخرى أو الأشخاص الآخرين ليس لهم حضور أو أهمية للجمهور.
إن إبراز وسائل الإعلام لقضايا معينة وأشخاص محددين لا يؤدي فقط إلى تضخيم تلك القضايا على حساب قضايا أهم... بل إن لذلك كله آثاراً بعيدة على الوعي العام بقضايا الأمة
إن تأثير وسائل الإعلام على الناس من خلال قصر الحصيلة المعرفية لدى الجمهور على مسائل محددة لا تتعدى في الغالب البرامج الرياضية والترفيهية والموضوعات العاطفية, وتقديم قدرات مزيفة له من عناصر المجتمع الهامشية وغير المنتجة
إن إدمان الجمهور على استهلاك المواد الإعلامية التي تقدمها له. وسائل الإعلام على أساس ترتيبها هي, قد يؤدي
المراجع:

1.                محمود حسن إسماعيل، مبادئ علم الاتصال ونظريات التأثير، ط1، الفرزدق للنشر والتوزيع، الكويت، 2003، ص 271.
2.                أحمد زكرياء، نظريات الإعلام، ط1، المكتبة المصرية للنشر، 2009، ص 06.
3.                محمد بن سعود البشير، قصور النظرية في الدراسات الإعلامية،لمجلة العربية للعلوم الإنسانية، عدد 83، جامعة الكويت، 2003، ص 45.
4.                حسن عماد مكاوي، ليلى حسين السيد، الاتصال ونظرياته المعاصرة، ط1، الدار المصرية اللبنانية، مصر، 1998، ص 288.
5.                صالح خليل أبو الأصبع، الاتصال الجماهيري، ط1، دار الشروق للنشر، الأردن، 1999، ص 219.
6.                علوم الإعلام والاتصال باسم ترتيب الأولويات أو وظيفة المفكرة وهناك من يستعمل مصطلح بناء الأجندة.
7.                حمادة بسيوني: وسائل الإعلام والسياسة، دار النهضة للشرق، القاهرة، 1997، ص 124.
8.                محمد عبد الحميد، نظريات الإعلام واتجاهات التأثير، عالم الكتب للنشر، القاهرة، 1997، ص 347.
9.                أماني فهمي، الاتجاهات العلمية الحديث لنظريات التأثير في الراديو والتلفزيون، المجلة المصرية لبحوث الإعلام، العدد الرابع، ديسمبر، 1998، ص 341.
10.          محمد عبد الحميد، نظريات الإعلام واتجاهات التأثير، مرجع سابق، ص 177.
11.          أحمد بسيوني حمادة، مرجع سابق، ص 209.

13.           http://www.massira.jo/content